الراوي : عمر بن الخطاب

﴿ سمِعتُ هشامَ بنَ حَكيمِ بنِ حزامٍ يقرأُ سورةَ الفرقانِ ، فقرأَ فيها حُروفًا لم يَكُن نبيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أقرأَنيها ، قُلتُ : مَن أقرأَكَ هذِهِ السُّورةَ ؟ قالَ : رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، قُلتُ : كذبتَ ، ما هَكَذا أقرأَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ! فَأخذتُ بيدِهِ أقودُهُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ! إنَّكَ أقرأتَني سورةَ الفرقانِ ، وإنِّي سمِعتُ هذا يقرأُ فيها حروفًا لم تَكُن أقرأتَنيها ! فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : اقرأ يا هشامُ . فقرأَ كما كانَ يقرأُ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ : هَكَذا أُنْزِلَت . ثمَّ قالَ : اقرَأ يا عمرُ . فقرأتُ ، فقالَ : هَكَذا أُنْزِلَت . ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ : إنَّ القرآنَ أُنزِلَ علَى سَبعةِ أحرُفٍ ﴾



س: يقولون أن تعدد القراءات في القرآن معناه اختلاف في القرآن حيث يؤدي إلى معان ثانية، مثل آية الإسراء وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا [الإسراء:13] عند يلقاه منشورًا.
ج: ثبت عن النبي ﷺ أن القرآن نزل من عند الله على سبعة أحرف، أي لغات من لغات العرب ولهجاتها؛ تيسيرًا لتلاوته عليهم، ورحمة من الله بهم، ونقل ذلك نقلًا متواترًا، وصدق ذلك واقع القرآن، وما وجد فيه من القراءات فهي كلها تنزيل من حكيم حميد.
ليس تعددها من تحريف أو تبديل ولا لبس في معانيها ولا تناقض في مقاصدها ولا اضطراب، بل بعضها يصدق بعضا ويبين مغزاه، وقد تتنوع معاني بعض القراءات فيفيد كل منها حكما يحقق مقصدًا من مقاصد الشرع ومصلحة من مصالح العباد، مع اتساق معانيها وائتلاف مراسيها وانتظامها في وحدة تشريع محكمة كاملة لا تعارض بينها ولا تضارب فيها.
فمن ذلك ما ورد من القراءات في الآية التي ذكرها السائل، وهي قوله تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا [الإسراء: 13] فقد قرئ: وَنُخْرِجُ بضم النون وكسر الراء، وقرئ يَلْقَاهُ بفتح الياء والقاف مخففة، والمعنى: ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتابا هو صحيفة عمله، يصل إليه حال كونه مفتوحًا، فيأخذه بيمينه إن كان سعيدا أو بشماله إن كان شقيا. وقرئ يُلَقَّاه مَنْشُورًا بضم الياء وتشديد القاف، والمعنى: ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتابا - هو صحيفة عمله - يعطى الإنسان ذلك الكتاب حال كونه مفتوحًا، فمعنى كل من القراءتين يتفق في النهاية مع الآخر فإن من يلقى إليه الكتاب فقد وصل إليه ومن وصل إليه الكتاب فقد ألقى إليه.
ومن ذلك قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10] قرئ يَكْذِبُونَ بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الذال، بمعنى: يخبرون بالأخبار الكاذبة عن الله والمؤمنين، وقرئ يُكَذِّبُونَ بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال المكسورة، بمعنى: يكذبون الرسل فيما جاءوا به من عند الله من الوحي. فمعنى كل من القراءتين لا يعارض الآخر ولا يناقضه بل كل منهما ذكر وصفًا من أوصاف المنافقين، وصفتهم الأولى بالكذب في الخبر عن الله ورسله وعن الناس، ووصفتهم الثانية بتكذيبهم رسل الله فيما أوحي إليهم من التشريع وكل حق فإن المنافقين جمعوا بين الكذب والتكذيب.
ومن ذلك يتبين أن تعدد القراءات كان بوحي من الله لحكمة، لا عن تحريف وتبديل، وأنه لا يترتب عليه أمور شائنة ولا تناقض أو اضطراب، بل معانيها ومقاصدها متفقة. والله الموفق.
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (5 /397).



لشيخ الإسلام ابن تيمية:

فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِن السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّهَا حَرْفٌ مِن الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ؛ بَلْ يَقُولُونَ: إنَّ مُصْحَفَ عُثْمَانَ هُوَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ للعرضة الْآخِرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جِبْرِيلَ، وَالْأَحَادِيثُ، وَالْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.

مجموع فتاوى ابن تيمية


السؤال:
إنه في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان جمع المصاحف كلها من جميع الأمصار وحرقها، ولم يبقَ غير مصحفه، وبما أن التوراة والإنجيل قد حُرفتا مَن يضمن لنا أنَّ هذا المصحف الذي بقي -وهو مصحف عثمان- لم يُحرَّف؟

الجواب:
الشيخ: يقول الله جلَّ وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، أخبر الله سبحانه أنه حافظه، وهو أصدق القائلين، وعثمان أبقى عدةَ مصاحف، ما هو مصحف واحد، كتب المصاحف، جمع الأربعة ودرسوا المصاحف وجمعوا وكتبوها، ثم أرسل عدة مصاحف إلى الشام، وإلى مصر، وإلى اليمن، وإلى الحجاز، وإلى العراق، وأبقى عنده في المدينة عدة مصاحف، ثم أحرق ما سواها؛ لئلا يلتبس الأمرُ، ولئلا تقع بعضُ الأخطاء.
وقد أجمع المسلمون على حُسن صنيعه، وشكروا له هذا العمل، وأجمع الصحابةُ الموجودون في عهده على عمله الطيب، ما عدا ما يُروى عن ابن مسعودٍ: أنه بقي عنده مصحفُه.
وبكل حالٍ، فعثمان قد أحسن في ذلك، وشكر له المسلمون عمله، ومصاحفه موجودة ومحفوظة، قد أجمع المسلمون على حفظها، وأنها لم يتغير منها شيء، ولم يعترِها نقصٌ ولا زيادةٌ، هكذا أجمع المسلمون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا؛ مصداقًا لقوله جلَّ وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
وقد حفظه المسلمون عن ظهر قلبٍ من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، جيلًا عن جيلٍ، وجماعة عن جماعةٍ، وقرنًا عن قرنٍ، بالملايين من المسلمين، فليس هناك بحمد الله شبهة ولا ريب؛ لأنه وصل إلينا محفوظًا كاملًا، لم ينتقص منه حرفٌ، ولم يزد فيه حرفٌ على ما وضع عثمانُ وأرضاه، وعلى العرضة الأخيرة التي قرأها نبينا ﷺ على جبرائيل في رمضان في السنة العاشرة.

الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله


وقال القاضي أبو يعلى (والقرآن ما غُيِّر ولا بُدِّل ولا نُقِص منه، ولا زِيدَ فيه، خلافاً للرافضة القائلين: إن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه). وقال (إن القرآن جمع بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، وأجمعوا عليه، ولم ينكر منكر، ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه، ولو كان مغيراً مبدلاً لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه، لأن مثل هذا لا يجوز أن ينكتم في مستقر العادة... ولأنه لو كان مغيراً ومبدلاً لوجب على علي رضي الله عنه أن يبينه ويصلحه، ويبين للناس بياناً عاماً أنه أصلح ما كان مغيراً، فلما لم يفعل ذلك ، بل كان يقرؤه ويستعمله، دل على أنه غير مبدل، ولا مغير).


قال القاضي عياض في كتابه: الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم 2/304. (وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر).

Weitere Kategoriebeiträge